السبت، 4 يوليو 2015

كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء السادس)



كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء السادس)

موسوعة الأندلس
دانييل بيبس

المرجع: بحث الأمريكي دانييل بيبس Daniel Pipes لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط Middle Eastern Studies عام 1989, بعنوان: The Alawi Capture of Power in Syria


ترجمته من الانجليزية إلى الفرنسية Anne Marie Delambre de Champvert . 
رابط الجزء الثاني: كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الثاني).
رابط الجزء الخامس: كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الخامس) 


 الجزء الخامس:
الصعود العلوي 1963-1970

ثلاث تغيرات حاسمة في النظام السوري طبعت مرحلة الصعود العلوي إلى الحكم: انقلاب حزب البعث في مارس 1963, الانقلاب العلوي في فبراير 1966, و انقلاب حافظ الأسد في نونبر 1970.  

انقلاب حزب البعث في مارس 1963

لعب العلويون دورا أساسيا في الانقلاب البعثي في 8 مارس 1963, و تقلدوا عدة مناصب محورية في الحكومة في ظل النظام البعثي الذي أقيم عقب الانقلاب. 

جرت بين 1963 و 1966 معارك مذهبية داخل الجيش و حزب البعث بين الأقليات من جهة و الأغلبية السنية من جهة أخرى. ففي الجيش, و لمواجهة الرئيس السوري السني أمين الحافظ و لتعزيز موقعهم الجديد, أغرق العلويون الجيش بأبناء طائفتهم. هكذا استطاع ضباط الأقليات تشكيل أغلبية أفراد الجيش السوري. لما فُتِحَ باب الانخراط في الجيش مباشرة بعد انقلاب مارس 1963, شكل العلويون نصف من تم قبولهم. لقد كان السُنة مكبلين إلى درجة أن بعض الطلاب المتخرجين حُرموا من التعيين في سلك الضباط. بينما كان العلويون و الدروز و الإسماعليون يشغلون مناصب سياسية حساسة في منطقة دمشق, كان السُنة يُبعثون إلى مناطق نائية و بعيدة عن العاصمة. صحيح أن الانتماء الطائفي لم يكن مُحرك كل التحالفات، إلا أنه كان القاعدة الصلبة لأغلب العلاقات الدائمة. قادة علويون, كمحمد عمران, أسسوا وحدات مشكلة من أبناء الطائفة. لقد أصبح الضباط السُنة مجرد واجهات خارجية, يشغلون مناصب رافيعة لكن بسلطات محدودة. و كرد على هذا الوضع, ناصب الرئيس أمين الحافظ العداء للعلويين و اعتبرهم أعداءا و انتهج سياسات طائفية من قبيل إبعاده لبعض العلويين من بعض المناصب بسبب انتمائهم الطائفي.


حتى الضباط العلويون الذين قاوموا المذهبية استسلموا في النهاية. لقد عززت الأحداث السياسية الروابط بين العلويين, و قلَصت الاختلافات القبلية, الاجتماعية و الدينية التي فرقتهم تاريخيا. الباحث و السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة إتامار رابينوفتش Itamar Rabinovich أحد أوائل الدارسين لهذه الفترة, أبرز كيف أن المذهبية اكتسبت دينامية خاصة: "جديد (صلاح جديد, حاكم سوريا لاحقا بين 1966-1970) كان ضمن أولئك الذين (لأسباب سياسية) أدانوا عمران لتأجيجه "الطائفية", لكن, و لسخرية الأقدار حصل (يقصد جديد)على تأييد الكثير من الضباط العلويين المدينين لعمران بترقيتهم. هؤلاء الضباط العلويون الذين رقاهم عمران انتبهوا إلى أن ارتفاع تمثيليتهم في المناصب العليا للجيش جر عليهم استياءا كبيرا من الأغلبية, و يبدوا أنهم تجمعوا حول جديد لاعتباره واحدا من ألمع الضباط في الجيش السوري و الأقدر على حفظ مناصبهم الرفيعة و الغير مستقرة. كان من الطبيعي لدى أمين الحافظ محاولة تجميع ضباط سُنة حوله و اتهام جديد بانتهاج سياسات طائفية...و يبدو أن تضامن المتعاطفين العلويين مع جديد قد تعزَّزَ أكثر من خلال الشعور بأن المسألة اتخذت طابعا مذهبيا و أن مناصبهم الفردية و الجماعية تتعرض للخطر"
دفعت نفس العوامل الضباط الدروز -الممثلون أيضا بأكبر من حجمهم في المناصب العسكرية الرفيعة- لتوحيد مصيرهم بمصير العلويين في عام 1965. 

دينامية مماثلة حصلت داخل حزب البعث. ففي الوقت الذي شغل فيه العلويون أكثر من نصف المناصب العسكرية ال 700, شكلوا أيضا كثلة مهمة في الحزب. و لتسهيل انضمامهم, تم تخفيف الشروط الإديولوجية للولوج خلال السنتين التي أعقبت انقلاب مارس 1963. الكثير من الضباط في الحزب جلبوا معهم أفراد عائلاتهم و قبيلتهم و قريتهم و طائفتهم. إحدى الوثائق الداخلية لحزب البعث شرحت هذا الوضع, حيث اعتبرت أن الصداقات و العلاقات العائلية و الشخصية كانت معيار القبول في الحزب, ما أدى لاندساس عناصر دخيلة على المبدأ المُؤسِس للحزب. و في الوقت الذي كان فيه العلويون يُدخلون أبناء طائفتهم, أُقصيَ الكثير من السُنة. تضاعف الانخراط 5 مرات في سنة واحدة بعد الصعود للحكم, مُحولين الحزب من انخراط إيديولوجي إلى انتماء طائفي. لقد أصبح البعث مؤسسة مختلفة تماما خلال السنتين و النصف الأولى للصعود إلى الحكم (من مارس 1963 إلى أواخر 1965). 

الانقلاب العلوي في فبراير 1966

هذه التغيرات أدت إلى اتخاذ الرئيس السُني أمين الحافظ في فبراير 1966 قرار تسريح 30 ضابطا منحدرين من الأقليات. عند سماعهم بمخططه, جماعة مُشكلة أساسا من ضباط بعثيين علويين أزاحوا أمين الحافظ و استولوا على السلطة في 23 فبراير في أكثر الانقلابات دموية في تاريخ سوريا. عندما وصلوا للحكم, أقصوا الضباط المناوئين لهم المنتمين لطوائف أخرى - بداية بالسُنة و الدروز و الإسماعليين - ما عمَّقَ التوثرات أكثر بين الطوائف. تقلُّد العلويون المناصب الأكثر الأهمية و اكتسبوا قوة لا سابق لها. بين 1966 و 1977 القيادة القُطرية لحزب البعث, و هي مركز لاتخاذ القرارات الحاسمة, لم تكن تضم ممثلين ينحدرون من المناطق السُنية كدمشق, حلب و حماة, بينما ثلثا أفرادها تم ضمهم من الفئات القروية و الأقليات باللاذقية و حوران و دير الزور. لقد كان الظاهرة جلية أكثر عند الضباط العسكريين للقيادة القُطرية بين 1966 -1970, حيث 63 بالمئة كانوا منحدرين من اللاذقية وحدها.

نتج عن الاستيلاء العلوي على الحكم شكاوى مريرة من طرف الطوائف الاخرى. قيادي عسكري درزي, يُدعى سليم حاطوم, كشف للصحافة بعد هروبه من سوريا أن العلويين في الجيش كانوا أكثر من باقي الطوائف الأخرى بنسبة 5 ل1. كما أشر إلى أن "الوضع في سوريا مهدد بحرب أهلية بسبب تنامي النَفَس الطائفي و القبلي". كما لفت الانتباه إلى أن "في كل مرة يُسأل فيها رجل في الجيش السوري عن ضباط الجيش المستقلين, يكون جوابه أنهم سُرحوا أو لوحقوا, و أنه لم يبقى سوى الضباط العلويون". سليم حاطوم سخر من شعار حزب البعث "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" معتبرا أنه تحول إلى "دولة علوية ذات رسالة خالدة".

انقلاب حافظ الأسد في نونبر 1970




لم تضمن السيطرة العلوية الاستقرار, فقد تواجه القياديان العلويان صلاح جديد و حافظ الأسد من أجل السيطرة على سوريا في أواخر الستينيات, صراع لم ينتهي إلا بانتصار الأسد عام 1970. إضافة للخلافات في الرؤى -جديد كان أكثر إيديولوجية و الأسد أكثر براغماتية- كان الرجلان يمثلان تيارين مختلفين في الطائفة العلوية. حرب شتنبر 1970 بين منظمة التحرير الفلسطينية و الحكومة الأردنية كانت الحدث الحاسم في صعود الأسد للسلطة. صلاح جديد أرسل القوات البرية لمساعدة الفلسطينيين لكن الأسد, قائد سلاح الجو آنذاك, رفض القيام بالتغطية الجوية. هزيمة الجيش السوري سرَّعت الانقلاب الذي قاده الأسد في نونبر دون إراقة للدماء. كان هذا الانقلاب العسكري العاشر في ظرف 17 سنة, و كان الأخير لمدة طويلة قادمة. و على ما يبدو وضع حدا نهائيا للعداوات بين العلويين.


موسوعة الأندلس
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق