السبت، 4 يوليو 2015

كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الخامس)



كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الخامس)

موسوعة الأندلس.



المرجع: بحث الأمريكي دانييل بيبس Daniel Pipes لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط Middle Eastern Studies عام 1989, بعنوان: The Alawi Capture of Power in Syria


ترجمته من الانجليزية إلى الفرنسية Anne Marie Delambre de Champvert . 
رابط الجزء الثاني: كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الثاني).

الجزء الخامس:

السطوة السُنية بين 1946 - 1963

كان السُنة, و تحديدا النخبة السُنية الحضرية, هم ورثة الحكومة بعد نهاية الولاية الفرنسية عام 1946. استمر العلويون, حتى بعد استقلال سوريا, في رفض الخضوع للحكومة المركزية. في هذا الإطار, قام العلوي سليمان مرشِد بثورة ثانية عام 1946, انتهت هذه المرة بصلبه و إعدامه. انتفاضة علوية ثالثة مُنيت بالفشل في عام 1952 و كانت تحت قيادة نجل سليمان مرشد. فشلُ هذه المحاولات دفع العلويين لطرح فكرة إلحاق اللاذقية بلبنان أو حتى بإمارة شرق الأردن, المهم إلحاقها بأي دولة و تفادي "الابتلاع" السوري لها. زادت أعمال المقاومة هذه من قتامة صورة العلويين عند السنة, و هي الصورة السودوية أصلا. عندما وصل القادة السنة إلى سُدة الحكم في دمشق لم يدخروا جهدا لإلحاق اللاذقية بسوريا, خصوصا إذا علمنا أنها المنطقة الوحيدة في البلاد التي تُطل على البحر. بعد مرحلة المقاومة المسلحة, أٌلغيت الدولة العلوية, و حُلت التشكيلات العسكرية العلوية و ألغيت مقاعد العلويين في البرلمان, كما حُلت المحاكم التي كانت تُطبق القوانين العلوية في الأحوال الشخصية. نجحت هذه الإجراءات في مصالحة العلويين مع الوطن السوري, خصوصا بعض سحق ثورة الدروز عام 1954 حيث تخلوا نهائيا عن فكرة إنشاء دولة مستقلة. هذا التغير في الرؤية, كان شأنا قليل الأهمية آنذاك, لكنه كان يدشن لعهد جديد في الحياة السياسية السورية: عهد الصعود العلوي.


ما إن أقر العلويون بأن مستقبلهم هو داخل سوريا, حتى بدأوا في الارتقاء السريع نحو الحكم. مؤسستان هامتان كانت لهما أهمية استراتيجية في تغير حالهم: القوات المسلحة و حزب البعث.

رغم أن الظروف التي جاءت بهم إلى الجيش أصبحت متجاوزة بعد رحيل الفرنسيين, إلا أن  العلويين و غيرهم من الأقليات بقوا بعد الاستقلال ممثلين بشكل أكبر من حجمهم في الجيش. فقد بقي جنود قدامى في الخدمة و تواصل توافد مُجندين جُدد. إذا أخذنا في الاعتبار السلوك السُني اتحاه العلويين, فاستمرار تواجد عدد كبير من العلويين في القوات المسلحة هو أمر مُفاجئ. هذا النشاز ناجم عن عدة عوامل:

 العامل الأول: سمعة الجيش كونه مكانا للأقليات. الكاتب الصحفي البريطاني باتريك سيل Patrick Seale أشار إلى أن العائلات الأرستقراطية السُنية كانت قومية بالأساس و كانت تحتقر امتهان العمل في الجيش, و كان الالتحاق به في حالة الحرب يعني خدمة الفرنسيين. كانت حُمص (حيث الاكاديمية العسكرية) بالنسبة للسُنة مكانا للخاملين و المتمردين و المتخلفين عن المستوى الجامعي, بينما كانت بالنسبة لغير السُنة منتهى الطموح و قبلة الموهوبين.

العامل الثاني: تجاهلُ الزعماء السُنة  للجيش و عدم اعتباره أداةً للدولة و ذلك خوفا من قوته في السياسة الداخلية, فاقتصدوا في تمويله و عملوا على تحجيمه و تقزيمه, ما جعل المسار العسكري قليل الجاذبية.

العامل الثالث: الوضعية الاقتصادية الكارثية للعلويين و طوائف قروية أخرى كانت تعني عدم قدرتهم دفع غرامات إعفاء أبنائهم من الخدمة العسكرية. رأى هؤلاء الأبناء المسألة من زاوية إيجابية و اعتبروا الخدمة العسكرية مدخلا للعيش الكريم.

في المقابل, رغم انخفاض نسبة العلويين الذين ولجوا للأكاديمية العسكرية في حُمص بعد عام 1946, ظلوا مُمثلين بأكبر من حجمهم في صف الضباط. تقرير يعود لسنة 1949 أفاد أن "الأشخاص المنحدرين من أقليات" كانوا يرأسون "كل الوحدات ذات أهمية معينة" في الجيش السوري. (هذا لا يعني فقط علويين, فمثلا, في عام 1949 كان كل أفراد الحرس الشخصي للرئيس حسني الزعيم من الشركس). كان العلويون يشكلون الغالبية بين الجنود و حوالي ثلثي ضباط الصف.

ربما اعتقد السُنة أن إبقاء مناصب عليا في أيديهم يكفي لمراقبة القوات المسلحة. في المقابل, ملأت الأقليات الصفوف الدنيا, و بعد سنوات وجدوا صعوبات في الارتقاء لدرجات أعلى. لقد صب هذا التمييز في صالحهم, فالضباط السامون (السُنة) كانوا منشغلين بتدبير انقلابات عسكرية لا حصر لها ما بين 1949 و 1963, و كل تغيير في الحكومة كان يُصاحَبُ بنزاعات مُدمِرة لحُكم السُنة, ما أدى لإضعافهم و إنهاك صفوفهم. لقد صدق بعض الظرفاء حين قالوا أن عدد الضباط خارج الجيش السوري كان أكبر منه داخله. ببقائهم خارج هذه الصراعات استفادت الأقليات غير السُنية, و خصوصا العلويون, من هذه الحملات التطهيرية المتكررة,  فالضباط السُنة كانوا يُقصون بعضهم بعضا, بينما يرث العلويون مناصب المعزولين. و بمرور الوقت حصل هؤلاء على مناصب عليا بالتدريج. و لما كان يتسلق العلوي الدرجات كان يأتي بأهله و عشيرته معه.

حملات تطهيرية و أخرى مضادة ما بين 1946 و 1963 أدت لسيادة جو من الحذر العميق بين الضباط. لم يعودوا يدرون من باستطاعته تدبير مؤامرة و ضد من تُحاك, الضباط الكبار استبدلوا في كثير من الأحيان التراتبية الطبيعية في القيادة بروابط القرابة. و بما أن الخوف من الخيانة سيطر على العلاقات العسكرية, فقد أصبح التوفر على روابط إثنية فعالة ميزةً و أعطى هذا الأمر للضباط المنحدرين من أقليات ميزة عظيمة. ففي جو الارتياب السائد, كان بإمكان الضباط داخل شبكات فعالة التحرك بفاعلية أكثر من أولئك الذين لا شبكة لهم. كان السُنة قد دخلوا الجيش كأفراد, بينما دخل العلويون كأعضاء في طائفة, و بالتالي ازدهروا. لقد شكل التضامن الإثني العلوي  قاعدة دائمة للتعاون بين الضباط العلويين أكثر من التحالفات المتغيرة المُشكلةُ من طرف الضباط السُنة.

بالإضافة للجيش, وصل العلويون للحكم عن طرق حزب البعث. منذ السنوات الأولى, اجتذب البعث السوريين من الأوساط القروية و الأقليات, و بينهم العلويون الذين انخرطوا  بأعداد أكبر من حجمهم (خصوصا بشعبة اللاذقية لحزب البعث). المهاجرون القرويون الذين كانوا يفدون لدمشق لأغراض تعليمية كانوا يشكلون غالبية أعضاء حزب البعث. كانوا من طلبة الطبقات الدٌنيا, أبناء فلاحين سابقين قدموا حديثا للمدن. مثلا في حلب, ضم البعث حوالي 3 أرباع تلاميذ الثانوي في بعض المدارس. أحد مؤسسي الحزب كان علويا هو زكي الأرسوزي, و قد جلب معه العديد من القرويين من أبناء طائفته إلى الحزب.

عقيدتان اثنتان اجتذبتا العلويين إلى حزب البعث: الاشتراكية و العلمانية. كانت الاشتراكية تمنح إمكانيات اقتصادية للأكثر فقرا من طوائف البلاد (لم تكن مع ذلك الاشتراكية واضحة في حزب البعث في الستينيات, و لم تبرز إلا مع استيلاء الأقليات على الحكم). أما العلمانية -سحب الدين من الحياة العامة - فكانت تعِدُ بمعاملة أفضل لأقلية مضطهدة. ماذا هناك أفضل و أكثر جذبا لأفراد طائفة دينية مضطهَدة من هاتين الإديولوجيتين؟ في الحقيقة, هذين المبدأين جذبا العلويين - و باقي الأقليات- لحزب البعث أكثر من القومية العربية التي ينادي بها.

كان المنافس الوحيد للبعث هو الحزب الاشتراكي القومي السوري الذي نادى تقريبا بنفس المبادئ الجذابة. كان الحزبان في منافسة طيلة عقد من الزمن تقريبا, إلى أن استطاع البعث إقصاء الحزب الاشتراكي في قضية عدنان المالكي عام 1955. اعتبارا من هذا التاريخ  أصبح العلويون مرتبطين أساسا بالبعث.
 
موسوعة الأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق