السبت، 18 أبريل 2015

الأسبوع المأساوي بقطلونية عام 1909 و علاقته بحرب المغرب



الأسبوع المأساوي بقطلونية عام 1909 و علاقته بحرب المغرب

برشلونة خلال الأسبوع المأساوي, "المدينة المحروقة"














بقلم هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.

تُعرف بالأسبوع المأساوي  Semana Trágica  بقطلونية شمال شرق إسبانيا سلسلة الأحداث الدموية التي عصفت ببرشلونة و مدن قطلونية أخرى ما بين 26 يوليوز و 2 غشت 1909. كانت الشرارة التي أشعلت فتيل المواجهات العنيفة قرار الوزير الأول الإسباني أنطونيو ماورا Antonio Maura إرسال جنود احتياط للمستعمرات الإسبانية شمال المغرب, في وقت كان فيه الوضع الاقتصادي و الاجتماعي في إسبانيا مزريا و كان جنود الاحتياط أرباب أسر منحدرين من الطبقة العاملة.
و هناك من يرى أن الأسبوع المأساوي هو الوجه الدموي العنيف للمواجهة التاريخية بين برشلونة المتمردة و مدريد المتسلطة,  فالمتمردون في قطلونية و تحديدا في عاصمتها برشلونة  تمت مواجهتهم بقمع و عنف شديد من السلطة المركزية في مدريد,  و يبقى شلال الدم و إعدام الزعيم القطلوني فرانثيسك فرير جراء هذه الأحداث نقطة اللاعودة في العلاقة بين برشلونة و مدريد و علاقة بارزة في الصراع بينهما.
في هذا الفيديو سنغوص في تفاصيل أحداث الأسبوع المأساوي في قطلونية و علاقته بالمغرب من خلال المحاول التالية:
المحور الـأول: السياق التاريخي و الوضع الداخلي في إسبانيا
المحور الثاني: الشرارة التي أشعلتها أزمة المغرب.
المحور الثالث: كرونولوجيا أحداث الاسبوع المأساويو تخريب المتمردين القطلونيين للكنائس الكاثوليكية
عنوان ثانوي في المحور الثالث: لماذا تحول الاحتجاج القطلوني ضد الدولة الإسبانية إلى عنف ضد الكنائس و المعابد الكاثوليكية
عنوان ثانوي في المحور الثالث: تزايد حدة التمرد القطلوني بعد وصول أخبار مقتل عشرات الجنود القطلونيين في الجيش الإسباني في المغرب خلال معركة خندق الذئب أو أزغار نوشن بالامازيغية.
المحور الرابع: القمع سلطة مدريد لتمرد برشلونة
المحور الخامس: قضية الزعيم القطلوني فرانثيسك فرير  و إعدامه و الانتقادات الخارجية الموجهة إلى إسبانيا
المحور السادس: سقوط حكومة ماورا المركزية في مدريد و نتائج الأسبوع المأساوي




المحور الأول: السياق التاريخي و الوضع الداخلي في إسبانيا

كان الوضع السياسي الإسباني في بداية عام 1909 يعرف نوعا من الاستقرار الهش, فألفونسو الثالث عشر على عرشه كملك لإسبانيا منذ 1902, و أنطونيو ماوراAntonio Maura, عن الحزب المحافظ Partido Conservador, على رأس الحكومة المركزية في مدريد منذ 25 يناير 1907.

أنطونيو ماورا














كانت إسبانيا آنذاك لا تزال تعيش تحت وقع صدمة خسارة آخر مستعمراتها فيما وراء البحار في عام 1898: كوبا, بويرتو ريكو. الفلبين, جزر الماريانا و جزر كارولينا, و كان الحزبان المحافظ و الليبرالي يتناوبان على رئاسة الحكومة في إطار نظام سياسي يكرس التناوب بينهما و يهمش الأحزاب الأخرى و يلعب فيه الملك دور السلطة التحكيمية.

كان الوضع في قطلونية مشتعلا, فبعد تبني قانون السلطة القضائية عام 1906 و الذي بموجبه يُحال للقضاء العسكري المتهمون بالتعدي بالقول أو بالكتابة على وحدة الوطن أو عَلَمَه أو على شرف الجيش الإسباني, حيث اعتبرت الأحزاب السياسية القطلونية هذا القانون مسّاً بحرية التعبير, فاتحدوا في تحالف انتخابي سُمي "التضامن القطلوني" Solidaritat catalana نجح في اكتساح انتخابات عام 1907 بحصوله على 41 مقعدا من بين 44 مخصصة لقطلونية, مُزيحا بذلك الأحزاب الملكية عن سدة الحكم بهذا الإقليم.

اجتماعيا, بدأ الوعي النقابي يشق طريقه إلى العمال الإسبان و بدأت الحركة العمالية تبرز في المناطق الصناعية, خاصة في برشلونة التي شهدت ميلاد تحالف نقابي بين الاشتراكيين, الأناركيين و الجمهوريين أُطلق عليه "التضامن العمالي"solidaritat obrera, و قد جاء هذا التحالف كرد فعل على التقارب بين تحالف "التضامن القطلوني" و الحزب المحافظ بزعامة أنطونيو ماورا.

المحور الثاني: الشرارة التي أشعلتها أزمة المغرب.

بعد خسارة مستعمراتها في كوبا و الفلبين عام 1898, أرادت إسبانيا تعزيز تواجدها و تركيزها جهودها الاستعمارية في شمال المغرب, و استطاعت بالفعل نيل مبتغاها من خلال مؤتمرات التوزيع الجغرافي للمستعمرات بين الدول الاستعمارية في عام 1904 و في مؤتمر الجزيرة الخضراء الخاص بالمغرب عام 1906.

يوم التاسع من يوليوز 1909 هاجمت القبائل المغربية الريفية الرافضة للتدخل الإسباني بقيادة محمد أمزيان العمال الإسبان الذين كانوا يعملون في مشروع بناء خط سكة حديد يربط بين مليلية و مناجم بني بويفرور التابعة لشركات إسبانية و فرنسية, فقُتل خلال الهجوم 4 عمال إسبان. شكل هذا التطور الخطير الشرارة التي أشعلت حرب مليلية بين المغرب و إسبانيا و استغلته حكومة ماورا لإصدار قرار إرسال ألوية قَطلونية, مدريد و جبل طارق, إضافة لوحدات عسكرية أخرى لإخماد الثورة المغربية الريفية شمال المغرب و تأمين السيطرة الإسبانية عليه.

تضمن قرار حكومة ماورا أيضا استدعاء جنود الاحتياط الإسبان, و هو الأمر الذي لم تستصغه الطبقات الشعبية التي وجد قطاع عريض من أبنائها أنفسهم مُخَيرين بين الذهاب للحرب في المغرب رغم كونهم أرباب أسر و المعيلين الوحيدين لعائلاتهم أو دفع مبالغ مالية ضخمة مقابل إعفائهم.

غداة نشر قرار استدعاء الاحتياط عمَّت الاحتجاجات على الحرب مدن إسبانيا و اتخذت أشكالا متنوعة من المقالات الصحفية و الملتقيات الخطابية إلى المظاهرات الشعبية التي منعت الحكومة أغلبها. شهدت بعض المدن الإسبانية توثرات حادة في محطات القطار أثناء رحيل أفواج المجندين نحو الجبهة المغربية خاصة في مدريد, سرقسطة و تُطَيلة. و أمام الضغط الشعبي و الصحفي قررت الحكومة يوم 23 يوليوز منح دعم يومي قدره 50 سنتيما لأسر و عوائل الاحتياطيين المجندين.

ركب جزء من جنود الاحتياط السفن من ميناء برشلونة يوم 11 يوليوز في أجواء هادئة لم تُسجِل فيه أدنى حوادث. لكن في مساء يوم 18 يوليوز, و عند ركوب فيلق قناصو مدينة رويس Cazadores de Reus التابع للواء القطلوني المختلط اندلعت صدامات لما رمى جنود في البحر ميداليات و تمائم قدمها لهم أغنياء أرستقراطيون برشلونيون حضروا للميناء لتوديعهم, بينما كان الرجال و النساء يصيحون في المرفأ بشعارات "تسقط الحرب!", " فليذهب إليها الاغنياء!", "جميعا أو لا أحد". فاضطرت الشرطة لإطلاق الأعيرة النارية في الهواء و اعتقلت بعض المحتجين.

تصاعدت الاحتجاجات في الأيام التالية مع وصول أنباء عن وقوع خسائر كبيرة في صفوف المجندين الإسبان في معارك المغرب. و يوم الخميس 22 يوليوز تفاعل نُواب تحالف "التضامن القطلوني" مع المطالب الشعبية و دعوا الحكومة المركزية في مدريد لعقد اجتماع عاجل في البرلمان لمناقشة مسألة الحرب في المغرب و القوانين التي تُنظم تجنيد القوات.

منع الحاكم المدني لبرشلونة أنخيل أسوريو إي غايردو Angel Ossorio y Gallardo اجتماعا للتحالف النقابي "التضامن العمالي" كان مُفترضا عقده يوم السبت 24 يوليوز من أجل المصادقة على مقترح خوض إضراب عام. مع ذلك تشكلت لجنة سرية لإدارة إضراب عام في برشلونة مُدته 24 ساعة يوم الإثنين 26 يوليوز, و هو اليوم الذي سيشهد اندلاع أحداث الأسبوع المأساوي في قطلونية.

المحور الثالث: كرونولوجيا أحداث الاسبوع المأساوي:

    * أحداث يوم الاثنين: 26 يوليوز 1909: بدأ الإضراب في برشلونة من الأحياء الهامشية أين تتمركز أغلب المعامل حيث أُحرقت بها أكشاك تحصيل الضرائب. بعد ذلك انتقل العمال المضربون إلى مركز المدينة حيث حصلت اضطرابات لدى محاولاتهم وقف حركة الترمواي بالقوة و إجبار المحال التجارية و المقاهي على الإغلاق. أمام تدهور الوضع أعلن القائد العام لقطلونية لويس دي سانتياغو  "حالة الحرب" طبقا لتعليمات وزير المحافظات في حكومة مدريد المركزية خوان دي لاسييرفا Juan De la Cierva, و هو الأمر الذي رفضه الحاكم المدني لبرشلونة أنخيل أوسوريو فقدم استقالته من منصبه. 
انتظر القائد العام دي سانتياغو وصول تعزيزات من بلنسية و سرقسطة قبل التحرك ضد المظاهرات و اكتفى بحماية المباني الحكومية الرئيسية. في المساء عمَّت الاضطرابات كل أنحاء المدينة, و قُتل خلالها شخصان لدى محاولة المُضربين وقف حركة التراموي بالكامل, كما تم الاعتداء على قسمين للشرطة.

الصورة لتعطيل عمل تراموي

















شُلَّت الحركة في برشلونة و انقطع عنها الغاز و الكهرباء و الصحف و عُزلت عن العالم الخارجي بعد توقف حركة القطارات و انقطاع خدمات التلغراف و الهاتف. إحدى المظاهرات تزعمتها النساء و الأطفال في منطقة باسيو دي كولون Paseo De Colon مقابل مبنى القيادة العامة و قد تمَّ تفريقها بإطلاق النار. 
اللافت للنظر غياب القياديين الجمهوريين الإسبان, سواء من تيار لوغوكس Lerroux أو من حزب الوسط القومي الجمهوري, عن هذا الحراك الشعبي. 
عند مُنتصف الليل أُحرق أول معبد ديني كاثوليكي في بلدة بويبلو نويفو Pueblo Nuevo. و كان بداية مسلسل عنيف جدا لحرق الكنائس و الأديرة من طرف المحتجين و المتمدرين القطلونيين.

امتد الإضراب و الانتفاضة إلى العديد من البلدات القطلونية خاصة في أقاليم برشلونة و خيرونا. 
في بلدات سباديل  Sabadell, ماطارو Mataró و كرانويرس Granollers القطلونية تحولت الانتفاضة إلى تمرد حقيقي تشكلت خلاله جماعات ثورية أَعلنت قيام الجمهورية, و قُطعت خطوط الهاتف و التلغراف و توقفت القطارات و أحرقت المعابد الدينية الكاثوليكية و وصلت الأمور مستويات عنف غير مسبوقة, خصوصا تلك التي شهدتها بلدة سباديل, حيث هوجم مبنى البلدية و أُحرقت بنايات ملحقة بها و قُتل 8 أفراد و سقط 20 شخصا جريحا بين مدنيين و قوات عمومية.

كانت هناك أحداث أخرى في بلدات كثيرة اقتصرت على حرق مباني دينية كاثوليكية كبلدات برميي دي مار Premier De Mar (حيث أُعلنت الجمهورية), مانريسا Manresa, سان أدريان ديل بيزوس San Adrian Del Besos, بالماس Palmas, كولونخي Colonge, سان فلين دي كياولس San Felin De guiaols.

     * أحداث الثلاثاء 27 يوليوز 1909: شهد يوم الثلاثاء إقامة المئات من المتارس في برشلونة و تعرضت العديد من مخازن الأسلحة للهجوم بغية الاستيلاء على المسدسات و البنادق. استهدف العنف بشكل لافت الكنائس و الممتلكات الكنسية, خاصة الأديرة و المعاهد الدينية التابعة للرَهبنات. خُرِبت في غضون ساعات الكثير من المباني الدينية. راعي الكنيسة ببلدة إل بوبل نوEl Poble Nou توفي جراء الاختناق بعد لجوئه لقبو الكنيسة المحروقة, كما دُنست المقابر الموجودة ببعض الأديرة.

صور المتارس في برشلونة
 صور تخريب كنيسة سان كارلس باروميو بمانريسا



















لكن في ليلة الثلاثاء الأربعاء بلغ العنف المناهض للكنيسة مداه و سُميت هذه الليلة "الليلة المأساوية" حيث أُشعلت النيران في 23 بناية كنسية وسط برشلونة, و في 8 أديرة في الضواحي, كما تعرض رجال الدين للشتم و الإهانة, كحال راهبة مُسِنة جُردت من ملابسها حتى يتأكد الثوار من عدم إخفائها لأغراض تحت ملابسها.
صور تخريب كنيسة سان كارلس باروميو بمانريسا



















شارك في هذه الاضطرابات و الأعمال التخريبية بشكل فعال العُمال و النشطاء الشباب و قياديو الصف الثاني في الحزب الجمهوري الراديكالي الذي يتزعمه أليخاندرو لوغوكس Alejandro Lerroux.

عنوان ثانوي في المحور الثالث: لماذا تحول الاحتجاج القطلوني ضد الدولة الإسبانية إلى عنف ضد الكنائس و المعابد الكاثوليكية.

فكيف و لماذا تحول الاحتجاج ضد الحرب في المغرب إلى تمرد و احتجاج على رجال الدين و رموزهم؟ من وجهة نظر المؤرخ و الباحث الاجتماعي خافيير مورينو لازون Javier Moreno Lazon انفجار العنف ضد رجال الدين الكاثوليك و مؤسساتهم في برشلونة كان تتويجا لسنوات من دعاية ثورية انتشرت في الثقافة الشعبية كانت تعتبر الكنيسة مؤسسة منافقة و شريرة وكانت تُرجع كل نكبات البلاد إليها و إلى تأثيرها. بالنسبة للمحتجين, رجال الدين كانوا يخدمون مصلحة ذوي النفوذ و السلطة, و يكنزون كميات هائلة من الثروات و يقومون بأنشطة اقتصادية تَضُر بالعمال في المصانع و تُنكل بهم. لهذا كان المُحتجون يحرصون بشكل فظيع على التنكيل بالرهبان و حتى بجُثت الموتى منهم. و حاولوا القضاء على كل ما يمُثُ للكنيسة بصلة, حتى المراكز الخيرية و التعليمية التابعة لها باعتبارها رمزا لنظام اجتماعي منبوذ ينبغي القضاء عليه كليا.
صورة دعائية قطلونية مغادية لرجال الدين الكاثوليكيين خلال الأسبوع المأساوي













عنوان ثانوي في المحور الثالث: تزايد حدة التمرد القطلوني بعد وصول أخبار مقتل عشرات الجنود القطلونيين في الجيش الإسباني في المغرب خلال معركة خندق الذئب أو أزغار نوشن بالامازيغية.

كما كان هناك حدث أجج الاحتجاجات و أعمال العنف تمثل في وصول أخبار من المغرب تفيد بحدوث هزيمة عسكرية إسبانية في معركة أزغار ن أوشن (خنذق الذئب) قُتِلَ خلالها ما بين 200 و 300 جندي احتياطي أغلبهم ينحدرون من برشلونة التي غادروها يوم 18 يوليوز.

     
   * أحداث الأربعاء 28 يوليوز 1909: استيقظت برشلونة  فجر الأربعاء على أعمدة الدخان الكثيف المتصاعد من مباني الكنائس و الأديرة المحترقة و المنهوبة. تواصلت طيلة اليوم الاعتداءات على المنشآت الدينية و استمرت المواجهات بالأسلحة النارية بين المحتجين المتمردين و القوات العمومية. أعنف الصدامات دارت في حي سان أندرس دي بالومار San Andrés de Palomar حيث قام المتمردون المسلحون بأسر حراس أكشاك تحصيل الضرائب إضافة لعدد من أفراد الأمن الخاص القطلوني Somaten و أقاموا المتاريس و أحرقوا الكنيسة الرهبانية.

في نفس اليوم وصلت لبرشلونة طلائع التعزيزات العسكرية القادمة من سرقسطة و بلنسية, و قد تم إخبار هذه القوات أنهم في قطلونية لقمع حركة "انفصالية".

     * الاحداث من الخميس 29 يوليوز إلى الأحد فاتح غشت: بدأ حوالي 10  آلاف جندي تابعين للسلطة المركزية في مدريد السيطرة على برشلونة انطلاقا من منطقة الرملة Ramblas و الميناء, في وقت كانت فيه معنويات المتمردين تتهاوى بعد أن استيقنوا أن تمردهم لم يجد صدا له في باقي إسبانيا مع اقتصار التمرد على قطلونية. و ما بين الجمعة و السبت بدأت المدينة تعود شيئا فشيئا لوضعها الطبيعي باستثناء حي سان أندري و حي دي أورتا De Horta, حيث استمرت المواجهات بالبنادق و حدثت آخر عمليات حرق و نهب الأديرة و المباني الدينية.

عادت يوم الأحد الجرائد للإصدار و التوزيع, و يوم الإثنين 2 غشت عاد العمال البرشلونيون للعمل بعد أن وعدهم أصحاب المعامل بدفع رواتبهم الأسبوعية و كأن شيئا لم يحدث. بعض المناطق القطلونية لم تستعد هدوءها إلا يوم الخامس من غشت.

المحور الرابع: القمع سلطة مدريد لتمرد برشلونة

خلفت أحداث الأسبوع المأساوي بقطلونية 78 قتيلا (75 مدنيا و 3 عسكريين), إضافة ل 500 جريح و حرق 112 منشأة (80 منها له خلفية دينية). أطلقت حكومة ماورا ابتداءا من 31 يوليوز حملة قمع عشوائية عنيفة. اعتُقلَ الآلاف من الأشخاص, توبع منهم قضائيا حوالي الألفين, و حُكِمَ على 175 منهم بالنفي, 56 بالمؤبد, و 5 بالإعدام. كما أُقفلت النقابات و صدر أمر بإلاغلاق المدارس العلمانية.

المتهمون الخمسة الذين حُكِمَ عليهم بالإعدام هم:
- خوسيب مكيل بارو Josip Miquel Baro: قومي قطلوني جمهوري, أُُعدِم يوم 17 غشت 1909 في قلعة مونتخويك Montjuic.
- أنطونيو ماليت بيول Antonio Malet Puyol: جمهوري منتمي للحزب الراديكالي الجمهوري, أُعدم يوم 13 شتنبر.
- كليمنتي غارسيا Clemente Garcia: شاب مختل عقليا رقص مع جثة راهبة في شوارع برشلونة. أُعدِم يوم 4 أكتوبر 1909.
- أوخنيو ديل أويو Eugenio del Hoyo : جندي سابق في الحرس المدني و في الحرس الأمني.
- و يبقى أشهر هؤلاء الذين أُعدموا فرانثيثكو فرير غوارديا Francisco Ferrer Guardia, و هو زعيم  أناركي أو التيار الفوضوي و أحد مؤسسي "المدرسة العصرية" Escuela Moderna.

المحور الخامس: قضية الزعيم القطلوني فرانثيسك فرير  و إعدامه و الانتقادات الخارجية الموجهة إلى إسبانيا

فرنثيثك فرير














في بادئ الأمر لم تكن لأحداث "الأسبوع المأساوي" و حملة القمع التي تلتها أية ردود سياسية خارجية. لكن الوضع بدأ يتغير في شتنبر, خصوصا بعد الحملة الدولية المُندِدة بالحكم العسكري بإعدام فرانثيثكو فرير لاتهامه بكونه المسؤول الأول عن أحداث الأسبوع المأساوي. و رغم المطالب و الدعوات بتخفيف العقوبة إلا أن حكم الإعدام تم تنفيده يوم 13 أكتوبر 1909. و كانت ابنة فرير قد بعثت رسالة للملك ألفونسو الثالث عشر تستعطفه للعفو عن والدها حيث جاء في رسالته: "أيها الملك المسيحي التقي, رمز السخاء و القدرة اللامحدودة بالنسبة لشعبه, لا تَرُدَّ تضرعا متواضعا و عاطفيا من ابنة فرير. أيها الملك الذي, كالرب, بيده الموت و الحياة بَدِّد بعطف من قلبك النبيل غُصَة نفسي, و انصِت لتواضعِ و رقةِ تضرعي".

صورة لفرير في طريقه لقلعة منتخويك حيث سينفد فيه الإعدام
صورة لمظاهرات في بروكسيل البلجيكية ضد الحكم على فرير بالإعدام






















كانت إسبانيا طيلة أشهر محور حديث الصحف العالمية التي نقلت عن البلاد صورة سلبية جدا كدولة متخلفة و همجية  تٌسيطرُ عليها محاكم تفتيش دينية و ملكية رجعية. كما انطلقت مظاهرات و احتجاجات ضد إسبانيا في سويسرا, روما, لشبونة, الأرجنتين (حيثُ ألقيت قنبلة على القنصلية الإسبانية), سالونيكا, جنوة (حيث رفض العمال تفريغ السفن الإسبانية). و في مدينة بتيربوليس Pteropolis البرازيلية أُحرقت دمية تمثل الملك الإسباني. أما في ابريطانيا فكانت المظاهرات و المسيرات المنددة بإعدام فرير أمرا مألوفا. و قد وصل الاحتجاج الدولي حد مراسلة الديبلوماسيين الإسبان في أوربا للحكومة الإسبانية يخبرونها بأن الاحتجاج وصل مستويات لا يمكن تصورها.

المحور السادس: سقوط حكومة ماورا المركزية في مدريد و نتائج الأسبوع المأساوي

استغل الحزب الليبرالي و الجمهوريون الاحتجاجات الدولية على الحكم بإعدام فرير لشن حملة ضد الحكومة المُحافظة شعارها (ماورا, لا) Maura No. يوم 20 شتنبر انضم للحملة معسكر اليساريين المناهض لماورا.

في الثامن عشر من أكتوبر 1909, أي بعد 5 أيام فقط على إعدام فرير, جرى في البرلمان نقاش تحول إلى مواجهة حادة بين ماورا و الوزير الأول الليبرالي السابق موريت Moret , حيث طلب هذا الأخير استقالة الحكومة و ناشد الملك إقناع المحافظين بالرحيل. يوم العشرين من أكتوبر هاجم وزير المحافظات خوان دي لا سيرفا Juan De la Cierva الوزير الأول السابق موريت متهما إياه بانتهاج سياسة إبان توليه رئاسة الحكومة ما بين 1885 و 1889 أدت لمحاولة اغتيال الملك يوم زفافه. 
في اليوم الموالي نشرت صحيفة El imparcial مقالا اعتبرت فيه الوضعية شديدة الخطورة حيث اتُهِم الليبراليون بنسج علاقات مشبوهة مع الأناركيين. صحيفة El Diario Universal المملوكة من طرف الليبرالي كوندي دي رومانونيس Conde de Romanones ردت بأن الحكومة لم يعد بمقدورها الاستمرار و لو ليوم واحد.

يوم 21 أكتوبر توجه رئيس الحكومة ماورا إلى القصر الملكي بنية تقديم الاستقالة كي يُجدد الملك الثقة بحكومته, لكنه فوجئ عندما قدم استقالته للملك بقبول هذا الأخير لها. بعد سنوات روى غابرييل ماورا غامازو Gabriel Maura Gamazo, نجل أنطونيو  ماورا, تأثر والده الكبير بإسقاطه من رئاسة الحكومة. هكذا عين الملكُ الليبراليَ موريت رئيسا للحكومة خلف لماورا.

اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية إسقاط حكومة ماورا المحافظة انتصارا أولا للماسونية العالمية على إسبانيا و الملكية و الكنيسة.

صورة الملك ألفونسو 13














و في تصريحات للصحيفة الفرنسية Le journal أبدى الملك ألفونسو الثالث عشر أسفه للتفسير الخاطئ الذي أٌعطي لأحداث برشلونة و أبدى ألمه الشديد للصورة التي عكستها عن إسبانيا, و قال "إذا سمعنا لما يقوله بعض الفرنسيين, سنَخالُ أننا بلد الهمج". و حول مسألة فرير, قال الملك "أنا ملك دستوري, و دستوري إلى درجة إني لا أملك حق العفو" و أضاف مُخاطبا الفرنسيين: "ألم تكن عندكم مسألة دريفوس Dreyfus؟ هل حشرنا أنفسنا فيها؟ّ".



في نهاية هذا الفيديو لا تنسوا دعم القناة و اللإعجاب بالفيديو.
صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق